فصل
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله:
اعلم أن الصلاة مؤلفة من أقوالٍ وأفعالٍ، فأعظم أقوالها القرآن،
وأعظمُ أفعالِها الركوعُ والسجودُ. وأول ما أنزله الله من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (19)) (?)، وختمها بقوله (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (?)) (?)،
فافتتحها بالأمر بالقراءة، وختمها بالأمر بالسجود، وكل منهما يكون عبادةً مستقلَّةً، فالقراءة في نفسها عبادةٌ مطلقًا إلا في مواضع، والسجود عبادة بسبب السهو والتلاوة وسجود الشكر وعند الآيات على قولٍ.
فالتلاوة الخاصة سبب السجود.
وقد ذكر الله الركوعَ والسجودَ في مواضع، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (?)، فهذا أمرٌ بهما. وقال تعالى:
(تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) (?)، فهذا ثناء عليهم بهما، وإن كان ذكرهما منتظمًا لبقية أفعال الصلاة، كما في القراءة والقيام والتسبيح والسجود المجرد، وهو من باب التعبير بالبعضِ عن الجميع، وهو دليلٌ على وجوبه فيه. وقال تعالى لبني إسرائيل: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)) (?)، فأفرد الركوع بالتخصيص بعد الأمر بإقامة الصلاة، ويُشبِهُ -والله أعلمُ- أن يكون فيه معنيان: