وقال أيضًا في آخر كتابه -كتاب الإجماع هذا-: كلُّ ما كتبنا فهو يقين لاشكَّ فيه، متيقّنٌ لا يحل لأحدِ خلافُه البتَّةَ.
قلت: فقد اشترطَ في الإجماع ما يشترطُه كثير من أهل الكلام والفقه كما تقدم، وهو العلم بنفي الخلاف، وأن يكون العلم بالإجماع متواترًا. وجَعَلَ العلم بالإجماع من العلوم الضرورية كالعلم بعلوم الأخبار المتواترة عند الأكثرين. ومعلومٌ أنَّ كثيرًا من الإجماعات التي حكاها ليست قريبًا من هذا الوصف، فضلاً عن أن تكون منه، فكيف وفيها ما فيه خلافٌ معروف، وفيها ما هو نفسُه يُنكِر الإجماع فيه ويختار خلافَه من غير ظهورِ مخالف!
وقد قال: إنما نعني بقولنا "العلماء" من حُفِظ عنه الفُتيا.
وقال: وأجمعوا أنه لا يجوز التوضُّؤ بشيء من المائعات وغيرِها حاشا الماء والنبيذ.
قلت: وقد ذكر العلماء عن ابن أبي ليلى -وهو من أجل من يحكي ابن حزم قوله- أنه يُجزئ الوضوء بالمعتصَر كماء الورد ونحوه، كما ذكروا ذلك عن الأصمّ، لكنّ الأصمّ ليس ممن يعدُّه ابن حزم في الإجماع.
وقال: وأما الماء الجاري فاتفقوا على جواز استعماله ما لم تَظهر فيه نجاسة.
قلت: الشافعي في الجديد من قولَيْه وأحد القولين في مذهب أحمد أن الجاري كالراكد في اعتبار القُلَّتين، فينجس ما دون القلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تظهر فيه.