-وكان من الراسخين في العلم- يَقْبَل جوائزَ معاويةَ وابنِه يزيد، وكان ابن عمر مع ورعه وفضله يَقبل هدايا صِهْرِه المختار بن أبي عبيد، ويأكل طعامه ويأخذ جوائزه، وكان المختار غيرَ مختار.
وقال عبد الله بن مسعود -وكان قد مُلِئَ علمًا من قَرنِه إلى مشاعبه- لرجلٍ سأله فقال: إن لي جارًا يعمل الربا، ولا يجتنب في مكسبهَ الحرامَ، يدعوني إلى طعامِه إذا جئتُ، فقال: لك المَهْنَأ وعليه المأثمُ ما لم تعلم الشيء بعينه حرامًا.
وسئل عثمان بن عفان عن جوائز السلطان فقال: لَحمُ ظَبْيٍ ذكي.
وكان الشعبي -وهو من كبار التابعين وعلمائهم- يُؤدِّب بني عبد الملك بن مروان، ويَقبل جوائزَه، ويأكل طعامَه.
وكان إبراهيم النخعي وسائر علماء الكوفة والحسن البصري -مع زهده وورعه- وسائر علماء البصرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبان ابن عثمان والفقهاء السبعة -حاشا سعيد بن المسيّب- يقبلون جوائز السلاطين والأمراء. وقَبِل الحسنُ والشعبي جائزة ابن هبيرة لما سألهما عن حاله مع عبد الملك. وكان سفيان الثوري مع فضله وورعه يقول: جوائزُ السلطان أحبُّ إليَّ من صِلاتِ الإخوان، لأن الإخوان يَمُنُّون والسلطان لا يَمُنُّ.
ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير، وقد جمع الناس فيه أبوابًا، ولأحمد بن خالد فقيهِ الأندلس وعالِمها في ذلك كتاب حَمَلَه على جَمْعِه ووَضْعه طَعْنُ أهلُ بلادِه عليه في قبوله جوائزَ عبد الرحمن الناصر إذْ نقلَه إلى المدينة بقرطبة، وأسكَنَه دارًا من دُورِ الجامع قُرْبَه، وأَجرى عليه الرزقَ من الطعام والشراب والإدام والناضّ. وله ولمثله في بيت