يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد". والأول سؤال بأنه المحمود، والثاني سؤال بأنه الأحد، فذاك سؤالٌ بكونه محمودًا، وهذا سؤال بوحدانيته المقتضية توحيدًا، وهو في نفسه محمود يستحق الحمد، معبود يستحقُّ العبادة.
والنصف الأول من الفاتحة الذي هو نصف الربّ، أوله تحميد وآخرُه تعبيد، وقد بُسِط مثلُ هذا في مواضع، وبُيِّن أن التحميد والتوحيد مقرونانِ، ولابدَّ منهما في كل خطبة، فكلّ أمرٍ ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم، وكلُّ خطبةٍ ليس فيها تشهُّد فهي كاليد الجذماء. والحمد مقرون بالتسبيح، ولا إله إلا الله مقرون بالتكبير، كذاك تحميدُه وهذا توحيدُه. قال تعالى: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)) (?)، ففي أحدهما إثباتُ المحامد له، وذلك يتضمن جميعَ صفاتِ الكمال ومنع النقائص، وفي الآخر إثبات وحدانيته في ذلك، وأنه ليس له كُفُوٌ في ذلك.
وقد بيَّنّا في غير هذا الموضع أن هذين الأصلين يجمعان جميع أنواع التنزيه، فإثباتُ المحامد المتضمنة لصفات الكمال تستلزم نَفيَ النقص، وإثباتُ وحدانيته وأنه ليس له كفوٌ في ذلك يَقتضِي أنه لا مثلَ له في شيء من صفات الكمال، فهو منزَّهٌ عن النقائص ومنزَّهٌ أن يماثلَه شي بلا في صفات الكمال، كما دل على هذين الأصلين قولُه تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (?) اللَّهُ الصَّمَدُ (?) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) (?).