بالقضاء من أعظم المقامات، وربّما ادَّعوا إجماع المسلمين على أن الرضا بالقضاء من أفضل المقامات، فلو كانت المعاصي بقضائه لكان ينبغي أن يُرضَى بها. والرضا بالكفر والفسوق والعصيان لا يجوز باتفاق المسلمين، فعُلِم أن هذه ليست بقضائه.
ولما أوردوا هذه الحجة أجابهم أهلُ الإثبات للقدر، كل طائفة بجوابٍ بحسب أصولهم، فإن من يقول: إن رِضاه هو إرادتُه، وإنّ كلَّ ما قدَّره فقد رضيه وأحبَّه وأرادَه، كما يقول ذلك الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام والتصوف وغيرهم، فله جواب على أصله.
وهؤلاء يقولون: أراد الكفر قبيحًا مُعاقَبًا عليه، وكذلك رَضِيَه وأحبَّه قبيحًا مُعاقَبًا عليه. ومعنى "قبيحًا" عندهم أي منهيًّا عنه، فهم يقولون: أرادَه ورضيه وأحبَّه ومع ذلك نَهى عنه ونهانا أن نَرضَى به، فحقيقة قولهم أن الله يحبّ أمورًا ويرضاها مع نهيه لنا عنها أن نُحبَّها ونرضاها. ومن هؤلاء أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
فمن هؤلاء من قال: إنما نرضى بقضائه الذي أمرنا أن نريده ونرضاه، ولا نرضى من ذلك ما نهانا أن نرضى به. وهذا جواب طائفة كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما.
وقد يقولون: نرضى بالقضاء على الجملة، ولا نُطلِقه على التفصيل.
هذا حكاية لفظهم.
ومنهم من قال ما ذكره أبو حامد والرازي وغيرهما، قالوا: نَرضَى بالقضاء ولا نرضَى بالمقضي.
قالت الطائفة الأولى كالقاضيين -وهذا لفظ أبي بكر، فإنه الأسبق