المقصود هنا ذِكرُ هذه لا نفيًا ولا إثباتًا، فإن القائم بنفسِه لا يجب أن يكون مباينًا لكل قائم بنفسه بهذا الاعتبار، وكل مباينةٍ يجب للمخلوق مع المخلوق فالخالقُ أحقُ بها سبحانه وتعالى.
فلمَّا وجب أن يكون المخلوق مباينًا للمخلوق بالمعنى الأول والثاني كان الخالق أحق بذلك وزيادة، لامتناع مماثلتِه للمخلوق ومحايثتِه له، فإن المماثلة والمحايثةَ ممتنعانِ عليه لامتناع مساواته لخلقِه أو احتياجِه إليهم، والمماثلة والمحايثةُ تُوجِب ذلك.
والله سبحانَه له المثلُ الأعلى، كما قال تعالى: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (?)، فكلُّ ما يُفْهَم للمخلوق من صفات كمالٍ فالخالقُ أحقُّ بها وأكمل في اقتضائه، كالعلم والقدرة والحياة والكلام ونحو ذلك. وكلُّ ما نُزِّه عنه شيء من المخلوقات من صفات النقص فالخالقُ أحق بأن يُنزَّه عن ذلك. فإذا كان أهل الجنة لا ينامون ولا يموتون، فالحيُّ القيوم أحقُّ بأن لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم. وهو الغنى المطلق عمّا سِواه، فكل ما سواه يَفتقِر إليه، وهو غنيٌّ عن كل ما سواه.
وهو سبحانه مع أنه مستوٍ على عرشِه عالٍ على خلقِه فهو الذي يُمسِك السماوات والأرض أن تزولا، وَسِعَ كرسيُّه السماوات والأرض، ولا يَؤُودُه حفظُهما. فالعرش وحَمَلَتُه هو الذي يُمسِكهم بقوتِه ومشيئتِه، بل قد جاء في الأثر (?) أن الله لما خَلَقَ العرش وأَمَر الملائكةَ بحملِه