الناس" و"رب العالمين" ونحو ذلك يقتضي أنه مغايرٌ للناس مباين لهم، لأنَ الربَّ مُغايرٌ للمربوب، فإذا قيل: "هو معهم أنه اقتضى أنه مغايرٌ لهم، ولمسمَّى "مع" الذي هو معنى الظرف اللفظي، فإنه إذا قيل: "هذا فوق هذا" اقتضى أنه مغايرٌ مباينٌ لما هو فوقه ولنفس المسمَّى بلفظ فوقه، ولفظُ "مع" هو من هذا الجنس ظرفٌ من الظروف، فيقتضي ذلك أن يكون المتعلق بهذا الظرف مغايرًا مباينًا له ولما أضيف إليه الظرف، ولا نزاع أن الشيء إذا كان فوق الشيء جاز أن يقال: هو معه، وقد يُجعَل الأعلى مع الأسفل، كما يقال: "هذا الحِمْلُ معي"، وقد يُجعَل الأسفل مع الأعلى، كما يقال: "هذا المركوب معي"، وقد يقال لما هو مباينٌ منفصلٌ عنه، كما يقال: "هذه الغاشية (?) معي"، وقد يقال: "سِرْنا البارحةَ والقمرُ معنا"، وأمثال ذلك مما يقتضي المباينة والانفصال.
فعُلِم بذلك أن كونه (وَهُوَ مَعَكُمْ) لا ينفي أن يكون الربّ مباينًا لهم، ولا يقتضي أن يكون على جوانبهم، بل غايتُه أن يكون بحيث هو مضافٌ إليه مما يُسمِّيه النحاةُ ظرفًا كالفوق ونحوه، فلا يكون بين قوله "فوقهم" وقوله "معهم" منافاة، بل يكون لفظ "المعية" دلَّ على مطلق أنه حيث يضاف إليهم، ولفظ "الفوقية" دلَّ على خصوص ذلك ولو معية هي فوقية، ليست تيامنًا ولا تياسُرًا.
وحقيقة الأمر أن لفظ "مع" في الأصل معناه واحدٌ، وهو المصاحبة والمقارنة والمشاركة في مسمى "مع" الذي هو معنى الظرف، وهو ظرف إضافي. فقوله "هذا معه" بمنزلة قوله "هذا مصاحبٌ له مفارقٌ له"، وهو يقتضي مطلقَ المصاحبة والمقارنة لا نوعًا منهم إلا بتفصيل وتخصيص.