والثاني: من جهة ما في ذلك من ابتذال القرآن بقراءته لمن لا يستمع إليه ولا يُصغِي إليه.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إن الميت يُعذب ببكاء أهلِه، ومن نِيْحَ عليه يُعذب بما يناحُ عليه" فهذا حديث صحيح ثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية عمر بن الخطاب وابنِه والمغيرة بن شعبة وغيرهم (?)، ولكن أَشْكَلَ معناه على طوائف حتى تفرَّقوا فيه:
فمنهم من طعن فيه؛ وظَنَّ أن راويَه لم يحفظْه، كما قالت عائشة ومن معها، كالشافعي في كتاب "مختلف الحديث" (?). ثم روت عائشة لفظين: أحدهما مناسبٌ معناه، وهو قوله: "إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه"، وجعلوا الموجبَ لضَعْفِه قولَه تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (?).
وأما جماهير السلف والخلف فعلموا أن مثل هذا التأويل لا يَصلُح أن يُرَدَّ به أحاديثُ ثابتةٌ عن رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كانوا من صغار الصحابة كجابر وأبي سعيد، فكيف بما يرويه عمر ونحوه؟ وذلك أن قوله (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) إنما فيه أن المذنب لا يَحمِلُ ذنبَه غيرُه، وهذا حق لا يخالف معنى الحديث، فإن الحديث ليس فيه أن الميت يحمل ذنب الحيّ، بل الحيُّ النائحُ يُعاقَبُ على نياحتِه عقوبةً لا يحملُها عنه الميّتُ، كما دلَّ على ذلك القرآن. وأما كون الميّت يتألَّم