فتبيَّن أن الرجال أحق بالنهي عن النياحة، لأنهم أقلُّ عذرًا في ذلك من النساء، فهو بمنزلة من ينوح في المصيبة الصغيرة، فهو أحقُّ ممن ناح في مصيبةٍ كبيرة. وفي صحيح مسلم (?) عن أبي مالك الأشعري أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنّ: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال (?): "النائحة إذا لمِ تَتُبْ قبلَ موتها تُقامُ يومَ القيامة وعليها سِربالٌ من قَطِرانٍ ودِرع من جرَبٍ".
والبكاء المرخَّصُ فيه هو ما كان من دمع العين وحزن القلب، ومع ذلك فلا يصلح استدعاؤه حزنًا، بخلاف البكاء للرحمة، وما كان من اللسان واليد فمنهيُّ عنه، فكيف بالإعانة عليه؟! ففي الصحيحين (?) عن ابن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعودُه مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وحدَه في غاشيةٍ -وفي لفظ مسلم: في غشية- فقال: "قد قضَى؟ " قالوا: لا يا رسولَ الله، فبكى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رأى القوم بكاءَه بَكَوا، فقال: "إلا تسمعون؟ إن الله لا يُعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذِّب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يَرحَم".
وعن ابن عباس قال: لمّا ماتت زينب بنت رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبكت النساء، فجعلَ عمر يَضرِبهن بسوطِه (?)، فأخذ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده