وليس الأمرُ كذلك؛ لأن الشهيد أقدَم باختياره على القتال، صابرًا على الأهوال، محتسبًا ذلك عند الله، لتكون كلمة الله هي العليا، ولهذا قيل: يا رسول الله، أيُفْتَنُ الشهيدُ في قبره؟ فقال: «كفى ببريق السيف فتنة» (?).

ولا بدَّ أن يكون ممن يختارُ القتلَ إذا وقعَ به، لا يَسْخَط ذلك.

ففعلُه لسببه الذي أُمِرَ به حصَل له به عملٌ صالح، وكذلك كلُّ ما يحصُل من أنواع المصائب بسبب طاعة الله ورسوله، في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد باللسان واليد في سبيل الله عزَّ وجلَّ؛ فالمصيبة الحاصلةُ بسبب ذلك في ذلك من نعم الله في سائر المصائب (?)، وتمتازُ هذه بأنها من أفضل أعماله الصالحة التي يثابُ عليها، كما يثابُ الشهيدُ على كونه يُقْتَل.

وهذا الأصلُ يتناول كلَّ ما يؤذى به العبد في سبيل الله، سواءٌ كان جهادًا أو لم يكن، وسواءٌ كان الأذى بأفعال العباد أو لم يكن، كالجوع والنَّصَب الحاصل في سفر الجهاد والحجِّ وصوم الصَّائم؛ فإن هذا الأذى من الله عزَّ وجلَّ يشاركُ المصائبَ في كونه مصيبةً، ويمتازُ عنها بكونه له به عملٌ صالح.

* [الأصل] السادس: أن الأعمال الصالحة كلَّها من أعظم نعم الله على عبده المؤمن، وهي مستوجبةٌ لأعظم الشُّكر؛ إذ هي من الله، كما قال تعالى: {بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015