وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [آل عمران: 195]، فأخبر أنه يكفِّر عنهم السيئات، وأنه يُدخِلهم الجنَّات، ثوابًا من عنده، والثوابُ على العمل.
وأطلَقَ الثوابَ، ولم يقل: على بعض ما ذُكِر، بل الثوابُ مطلق، مع أنه ذَكَر مع هجرتهم التي هي حركةٌ اختياريةٌ كونَهم أُخِرجوا من ديارهم؛ فإن ذلك إكراهٌ لهم على الخروج، فهم اختاروا مفارقة الكفَّار ليُقِيموا دينَهم، ولكنَّ الكفَّار بعداوتهم أكرهوهم على هذه المهاجَرة، وإن لم يقصدوا هم إخراجَهم، لكنَّ عداوتَهم ألجأتهم إليها.
ثم قال تعالى: {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي}، وهذا مِن فعلِ غيرهم. ثم قال: {وَقَاتَلُوا} وهذا فعلُهم، {وَقُتِلُوا} وهذا مِن فعلِ غيرهم.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]، فوعَدَه بالأجر العظيم على كلا التقديرَين.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4]، وفيها قراءتان مشهورتان: {قُتِلُوا} و {قاتَلوا} (?).
وأيضًا، فالشهيدُ يُثْنَى عليه بالشهادة، ومعظمُ الشهادة إنما حصَل بفعل الكافر، وهو قتلُه للشهيد، فلو لم يكن للشهيد في كونه قُتِلَ عملٌ يثابُ عليه لكان قتلُه مصيبةً من المصائب التي تُكَفَّر بها الخطايا ولا يثابُ عليها، لكن [يثابُ] على الصبر عليها، مع أنه بعد الموت لا يؤمرُ بصبرٍ.