فإن قوله: «أبوء لك بنعمتك عليَّ» يتضمَّنُ الإقرار والإنابة إلى الله بالعبودية؛ لأن المَبَاءة هي ما يَبُوء إليها الشخص، أي يرجعُ إليها رجوعَ مستقِرٍّ (?)؛ فإن المَبَاءة هي المُستَقَرُّ، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كذب عليَّ متعمدًا فليبوَّأ مقعدَه من النار» (?)، أي ليتَّخِذْ مقعدَه مباءةً، فيلزمُه ويستقرُّ فيه، ليس بمنزلة المنزل الذي ينزلُ به ويرحلُ عنه.

فالعبد يبوء إلى الله عزَّ وجلَّ بنعمه عليه، ويبوء بذنبه، فرجع إليه بالاعتراف بهذا وبهذا رجوعَ مطمئنٍّ إلى ربه منيبٍ إليه، ليس رجوع من أقبل إليه ثم أعرض عنه، بل رجوع من لا يُعرِض عن ربه، بل لا يزال مقبلًا عليه؛ إذ (?) كان لا بدَّ له منه، فهو معبودُه، وهو مستعانُه، لا صلاح له إلا بعبادته، وإن لم يكن معبودَه هَلَك وفَسَد، ولا يمكنُ أن يعبده إلا بإعانته له، فلا مندوحة له عن هذا وهذا البتة.

وفي الحديث: «مثَل المؤمن مثَل الفَرَس في آخيَّته، يجولُ ثم يرجعُ إلى آخيَّته، كذلك المؤمنُ يجولُ ثم يرجع إلى الإيمان» (?).

فقوله: «أبوء» يتضمَّنُ أني وإن جُلْتُ كما يجولُ الفَرَسُ -إما بالذنب، وإما بالتقصير في الشكر- فإني راجعٌ منيبٌ أوَّابٌ، أبوء لك بنعمتك عليَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015