وحبُّ العبد له وخضوعُه له ينافي إرادة العلوِّ في الأرض والفساد؛ فإنه إذا شَهِد أنه العليُّ الأعلى، وأن كلَّ ما سواه مفتقرٌ إليه، وشَهِد فقرَ نفسه وحاجتَه إليه من جهة ربوبيَّته له، ومن جهة إلهيَّته له، فإنه لا بدَّ له من أن يعبده، ولا بدَّ له من إعانة الرب له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما لا يكون بالله لا يكون، فليس يوجدُ للعبد ولا لغيره شيءٌ إلا به.
وهذا تحقيق «لا حول ولا قوَّة إلا بالله»، فكل ما سواه فقيرٌ إليه دائمًا، وهو غنيٌّ عن كل ما سواه دائمًا، والعبد لا يصلح إن لم يكن الربُّ معبوده وهو غاية محبوبه ومطلوبه، وإلا فكلُّ عمل لا يراد به وجهُ الله فهو فاسدٌ ضارٌّ لا ينفعُ صاحبه. فكما أنه [ما] لا يكونُ به لا يكون، فما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم (?)، ولهذا أُمِرنا أن نقول في كلِّ صلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
فشهودُ العبد هذا ينفي أن يريد علوًّا في الأرض أو فسادًا، ويستلزم أن يكون من المتقين؛ فإن شهود العبد لحقيقة حاجته وفقره يمنع عنه العلوَّ، وشهوده لحاجته إلى ما ينفعه ينفي عنه إرادة ما يضرُّه، ولكن هو جاهلٌ ظالم، وقلبه يغفل عن الله فيتبع هواه، قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19]، فهو بغفلته عن ذكر ربه، ونسيانه إياه، ينسى نفسَه وحاجتها ومصلحتها، فهو في غاية الفقرة والحاجة.
وقد ينفخُ فيه الشيطانُ الكِبرَ فينسى حاجتَه وفقرَه، ويطغى إذا استشعر