وهذا أجود من قول من قال في قوله: «لا يُقْبَل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ» (?): إن الصَّرْفَ هو [التطوُّع، والعدلَ: الفريضة.
بل الصَّرْفُ هو] (?) التوبة، وهو صَرْفُه وانصرافُه عن الذنب، والعَدْل: النظير، وهو الفداء والعِوَض من غير الجنس؛ فإن التوبة من جنس السيئة، والعَدْل من غير جنسها، ولهذا لما كانت التوبةُ تبديلَ السيئة بجنسها جعل الله للتائب مكان كلِّ سيئةٍ تاب منها حسنة (?)، فكأنه قال: لا يُقْبَل منه البدلُ، لا بجنسه وهو الصَّرْف، ولا بغير الجنس وهو العَدْل.
ولهذا شَرَع الله ما يمحو السيئات تارةً صَرْفًا، وهو التوبة. وتارةً عَدْلًا، وهو الحسناتُ الماحية، كالكفَّارات المشروعة لذنوبٍ معيَّنة، أو للذنوب المطلقة، فإن الصلاة، والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تكفِّر فتنة الرجل في أهله وماله وولده، كما نطق بذلك حديثُ حذيفة الذي في الصَّحيح (?).
فأخبر سبحانه أنه يوم القيامة لا يُحَصِّلُ ما ينفعه، ويدفعُ ما يضرُّه، لا بمعاوضةٍ وهي البيع والعَدْل، ولا بغير معاوضة؛ لأن غير المعاوضة إما أن يكون مِن عند الباذِل (?)، وإما أن يكون سائلًا لها من غيره.