وهذا يوجبُ انقطاع تعلُّق القلوب بغيره، ولو كان ملَكًا أو نبيًّا، فكيف بالمشايخ، والعلماء، والملوك، والأغنياء؟ ! فإن غاية الراجي لهم، المعتمد عليهم، أن يقول: هم يشفعون لي. فقد أخبر أنه ما من شفيع إلا من بعد إذنه، وأنكر أن يشفع أحدٌ إلا بإذنه، وأخبر أن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له.
ولهذا إذا جاء سيِّد الشفعاء يوم القيامة إلى ربه، ورآه سَجَد وحَمِدَه بمحامد يفتحُها عليه، لا يبتدي بالشفاعة حتى يقال له: «أي محمَّد، ارفع رأسَك، وقُل يُسْمَع، وسَلْ تُعْطَه، واشفَع تُشَفَّع» (?).
وبهذا تتبيَّن الشفاعة المنفية يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 48]، وكذلك نظيرُه في الآية الأخرى [البقرة: 123]، وقال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، وقال: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].
وذلك أن الإنسان في الدنيا يُحَصِّلُ ما ينفعُه إما بمعاوضةٍ وإما بغير معاوضة، فالمعاوضة هي البيعُ، [والعَدْلُ من المعاوضة] (?)؛ فإنَّ عَدْلَ الشيء ما عادله من [غير] (?) جنسه، وهي الفدية، كما قال: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95].