والمقصود [أن] من أنكر خوارق العادات مطلقًا للأنبياء وغيرهم فهذا كافر باتفاق أهل الملل، وكذلك إن جعلَ ذلك من قُوى النفس، كما يقوله ابن سينا وأمثالُه من المتفلسفة، فهؤلاء ملحدون باتفاق أهل الملل، وقد بُسِط الكلام على هؤلاء في مجلد كبير يُسمَّى "الصفدية" وغيرها.
ومن قال إن العادات لا تخرق إلاّ للأنبياء، وأنكر الكرامات والسحر الخارق للعادة، فهو من أهل البدع الخارجين عن الجماعة كأكثر المعتزلة. وكذلك من قال: إنها لا تخرق إلاّ للأنبياء والأولياء، وجعل يستدلُّ بمجردِ خرقِ العادةِ على أن من خُرِقَتْ له العادةُ كان وليا لله، وإن كان مخالفًا للكتاب والسنة. فهؤلاء ضالون، وهم شرٌّ من المعتزلة، وهم من جنس أتباع الدجَّال وأتباعِ مُسَيلمة الكذاب والأسود العَنْسي وغيرِهم من الكذابين.
ولهذا اتفق أولياء الله على أن الرجلَ لو طارَ في الهواءِ أو مَشَى على الماء لم يُعتَبر حتَّى يُنظَر متابعتُه لأمرِ الله ونهيِه. فإن هؤلاء يستلزم أقوالهم أن يجعلوا كثيرًا من المشركين وأهل الكتاب - اليهود والنصارى - من أولياء الله المتقين، فإن لهؤلاء خوارق كثيرة، فمن أنكر وجودَها كان كمن أنكر خوارقَ الأولياء وأنكر السحرَ والكهانةَ، ومن أقرَّ بوجودِها وجعلَها دليلاً على أنّ صاحبَها وليّ لله فهو جَعَلَ خوارقَ السحرةِ والكهّانِ دليلاً على أنهم أنبياء وأولياء الرحمن، وكلا القولين يوجب الخروجَ عن دينِ الإسلام، والخروجَ من النور إلى الظلام. بل يجب أن يُفرَّقَ بين هؤلاء وهؤلاء بما بينه الله من الآيات والبراهين، وبما بُعِثَ به سيّدُ المرسلين، فيُعلَم أن أولياءَ الله هم المذكورون في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم