والله سبحانه بعث رسولَه وأنزل كتابَه لبيان الفرق بين هذا وهذا، وختمهم بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل رسول بعثه بأفضل كتاب إلى أفضل أمة بأفضل شريعةٍ، فرَّق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغيّ والرشاد، وأولياءِ الرحمن وأولياءِ الشيطان، وجُندِ الله المفلحين وحزب إبليس اللعين. وقد بُسِط الكلام عليه [في] غير هذا الموضع، مثل "بيان الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لأجل سؤال من سأل عن ذلك من أهل الملك والعلم والدين.
فمن أنكر كرامات أولياء الله المتقين فهو من أهل البدع الضالين، كمن أنكر ذلك من المعتزلة وغيرهم، ولهذا كان أفضل متأخريهم أبو الحسين البصري مقرًّا بكرامات أولياء الله المتقين، وإن كان بعض أهل الإثبات -كأبي إسحاق الإسفرايني- وافقَ المعتزلةَ على إنكار الكرامات. فإنكارُ كرامات أولياء الله المتقين قولٌ مبتدَعٌ في الإسلام، مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع السلف الماضين وأئمة الدين، بل من أنكر خوارقَ أهلِ السحر وأتباع الشياطين فهو من أهل البدع الضالين، كما أنكر طائفة من الفلاسفةَ والأطباء وجودَ الجنّ، وأنكر كثير من المعتزلة أن يدخلوا في الإنسان ويصرعوه ويتكلموا على لسانه. فكلا القولين من الأقوال الباطلة المخالفة للكتاب والسنة وأقوال الأئمة، بل من المخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وإن كان إنكار الجن كفر ظاهر (?)، فكثيرٌ ما في الكتاب والسنة من ذكرهم، بخلافِ دخولهم في الإنسان فإنه أخفَى، ولهذا كان إنكار الثاني بدعة وإنكارُ الأول إلحادًا ظاهرًا.