ظلم أرباب الديون بمنع حقوقهم. مثل أن يكون له ألف درهم فيها مئةٌ لغيره مثلاً، وعليه ألف درهم، فإذا لم يوفِ الغرماءَ حقوقَهم ظَلَمَهم بألف درهم، وذاك أعظم إثمًا من ظلم مئة، هذا إذا قُدَّر أنه لا يعرف قدر ما في مالِه من الظلم، وإلاّ فإذا عرف قَدْرَ ذلك فإنه يُخرِج مقدارَ الحرام، فيعطيه لمستحقّه إن عرفه، وإلا تعرف به وصرفه في مصالح المسَلمين عنه إذا لم يعرفه، كما نُقِل عن السلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب أكثر الفقهاء، كمالك وأبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم، أعني صرفَه إذا جهل صاحبه إلى مصرف مالِ الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو صرفه في كل ما أمر الله تعالى به ورسولُه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وليس هذا كاللُّقَطة التي له أن يتملكها، فإن اللقطة عرَّفها حولاً وأخذها بفعله، فإذا لم يجد صاحبها صارت بمنزلة ما يملكه من المباحات بفعله ما دام صاحبها مجهولاً، وله أن يتصدَّق بها عنه، فإن عرف صاحب المال في الموضعين فالأمر إليه، إن شاء أجاز ما فعله من تصرفه لنفسه أو صدقة بها عنه، وإن شاء ردَّ ذلك وطلبَ بدلَ مالِه، كما قال الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك في المال، وفي امرأة المفقود أيضًا، قالوا: يُخيَّر الزوجُ القادمُ بين المرأة وبين مهرها، وهو مبني على هذا، فإنه لمّا انقطع خبرُه جاز التصرفُ في بُضْعِ امرأته، كما جاز التصرف في المال الملتقط الذي جهل صاحبه، وفي غيرِه، ثم ظهر خبرُه، صارَ حينئذٍ مخيَّرًا، وكان ذلك التصرف الأول الذي كان مع عدم العلم به جائزًا باطنًا وظاهرًا، كمالِ اللقطة، فإنه بعد حلول التعريف يملك الملتقَط باطنًا وظاهرًا، وكذلك يملكه من تصدق عليه، فإذا جاء المالك وطلبه عادَ إليه ملكًا جديدًا.