منهما، فهذا يُرَغَّبُ في الترك، لأنه شبهة، إلا أن يكون إذا تركَ ذلك تضمن تَرْكَ واجب محقق أو فِعْلَ محرَّم محقق، فلا يكون حينئذ مرغبًا في ترك الشبهة، بل يكون مأمورًا بفعلها، لأنه إذا فعلَها لم يعلم أنه يأثم، وإذا تركها وتضمن ذلك تَرْكَ واجبٍ أو فعلَ محرَّمٍ كان إثمًا.

والورع المشروع هو ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحسن رضي الله عنه: "دع ما يَريبك إلى مالا يريبك" (?)، وهنا إذا تركه لم يدعه إلى مالا يريبه، بل إلى ماهو يريبه قطعًا، وذلك يظن أنه قد يريبه.

ومثل هذه المسألة المشهورة عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وقد ذكرها أبو طالب وأبو حامد وغيرهما في كتاب الورع للمروذي (?) وغيره، أنه سُئِل عمَّن مات أبوه وعليه دَين، وله مالٌ فيه شبهة، وهو يتورع عن قبض ذلك المال، أيَدَع ذمةَ أبيه مرتهنةً فبيَّن ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه أن قضاءَ دَيْنِ الميت من المال الذي خلفه واجب، وأن الوارث عليه أن يفعل ذلك، أو يُمكِّن الغرماء من قبضه، وإن لم يمكن قضاؤه إلاّ بفعل الوارث تعين عليه ذلك، فإنه واجبٌ على الكفاية، وهو متعين عليه إذ لم يقم من غيره. وأما قبضه الشبهة فليس محرمًا، بل ورعٌ مستحب، فكيف يفعل مستحبًّا بترك واجب؟.

وهكذا مَن عليه دُيُون وله مالٌ يقضي به الديون، وفيه شبهة، فقضاء الديون واجب، والورع بقضاء الديون واجب، وليس تركُ الشبهة واجبًا. ولو قُدِّر أن في ملك الشبهة ظلم قليل، فهو أخفُ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015