ثم قال: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (?). فالمنكر ضدّ المعروف، والزور الكذب، والكذب يكون في الأخبار، والمنكر هو المكروه المذموم المعيب، وذلك يكون في الأفعال والإنشاءات، كالأمر والنهي وصيغ العقود، كقوله: أنتِ عليَّ كظهر أمّي، تضمنت إنشاءًا وإخبارًا، فكانت منكرًا من القول باعتبار ما فيها من الإنشاء، وكانت زورًا باعتبار ما فيها من الإخبار، فإن كونه يجعل زوجته الحلال التي ما ولدتْه مثل أمّه الحرام التي ولدتْه أمر منكرٌ مكروهٌ بَغيض، تنفر عنه القلوب لما فيه من القبح، وهو زور أيضًا لما فيه من الكذب. فدلَّ القرآن على أن المنكر من القول والزور لا يقع به طلاقٌ، وإن قَصَدَ به الإنسان الطلاق، كما كانوا يقصدون الطلاق بهذا القول. ودلَّ القرآن على أنه ليس كل لفظ يَقصِد به الإنسانُ الطلاقَ يقع به الطلاق، بل لابُدَّ أن يكون ذلك القول ليس منكرًا من القول ولا زورا.
فكان في هذا دلالة على مذهب الجمهور من السلف والخلف أن صيغة الحرام لا يقع بها طلاق إذا قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام، فإنّ هذا هو مثل قوله: أنتِ عليَّ كظهرِ أمّي، لكنه هنا صَرَّح بالحكم الذي هو مقصود التشبيه، وهو منكر من القول، حيث جعل الحلال حرامًا، وهو زورٌ أيضا، فإن الحلال لا يكون حرامًا. وقول من قال: إنه طلاق هو شبيه بقولهم في الجاهلية: إنّ الظهار طلاق.
بل دَلَّ هذا على أن الحرام لا يكون طلاقًا ولو قُصِدَ به الطلاق، كما أنّ الظهار لا يكون طلاقًا وإن قُصِدَ به الطلاق. وقد نصَّ على ذلك أحمد وغيره.