وقع بكِ الطلاقُ، على ما كانت عادتهم، وذلك أن موجب هذا اللفظ.
أنها تحرم عليه أبدًا، لأنه شبَّهها بأمّه يَقصِدُ تحريمها، فمقصوده تحريمها، والتحريم لا يكون إلاّ بزوال الملك بالطلاق، فلهذا كان طلاقًا.
والإيلاء هو حلف على أنه لا يَطأها، ولم يكن عندهم لليمين كفارة، فكانت اليمين تمنعه من وطئها، والمرأة لا تكون محرمة الوطء أبدًا، فتقع به الطلاق.
فالظهار أوجب تحريمَ وطئها، والإيلاء أوجبَ تحريم وطئها، وكلاهما ينافي موجبَ النكاح، فإن النكاح لا يكون إلاّ مع حلّ الوطء.
فلهذا كانوا يرون هذا وهذا طلاقًا، حتى أنزل الله تعالى في الظهار الكفارة الكبرى، والمُوْلي خَيَّره بين أن يَفِيء وبين أن يُطلّق، فإنه إذا فاءَ ورجعَ كان له مخرج بالكفارة، كما قال: (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (?)، وقال: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (?).
قال سبحانه: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) (?)، كما قال في الآية الأخرى: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ) (?).
وهم كانوا يعرفون أنهم ما هنّ أمهاتهم، لكن شبهوهنّ بهنّ، فأقاموا الزوجة مقام الأمّ، وجعلوها مثل الأمّ، فبيَّن الله تعالى بطلانَ هذا التشبيه، وأنّ الأمّ هي التي ولدتْك، والزوجة لم تلد، فامتنع أن تكون أمًّا أو مثل الأمّ.