ففي هذا الحديث أنه غَضِبَ على من طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدةٍ، وجَعَل هذا لعبًا بكتاب الله، وأنكر أن يُفعَل هذا وهو بينهم، حتى استأذنه رجلٌ في قتله، ومع هذا فلم يُذكَر أنه فَرَّقَ بينَه وبينَ امرأتِه، وتأخيرُ البيان عن وقتِ الحاجة لا يجوز، ولا يقال: كان هذا معلومًا بينهم. فإن هذا يشتبه، وقد ثبت أنهم كانوا يجعلون الثلاث واحدةً، ونفسُ التحريم يشتبه على العلماء فضلاً عن العامَّة، حتى أن كثيرًا منهم يقولون: ليس هو بحرام.
فإن قيل: المطلِّق كان يعتقد وقوعَ الطلاقِ بالثلاث.
قيل: كما كان يعتقد إباحتَه. ولم يَنقُل أحدٌ بإسنادٍ ثابت أن أحدًا طلَّق امرأتَه ثلاثًا بكلمةٍ واحدةٍ، وهي ممن يُباحُ له إمساكها، فأوقعَ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد روى طائفة من المصنفين في الحديث والفقه والخلاف أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أهل العلم بالحديث، فلا حاجةَ إلى ذكرِها، ولكن الذي يُظَنُّ أن فيه حجةً ثلاثةُ أحاديث:
حديث فاطمة بنت قيس، ففي رواية غير واحدٍ أنها قالت: طلَّقني ثلاثًا (?)، وفي لفظ بعضهم: طلَّقني البتةَ (?). ولكنَّ هذا مجمل فسَّرَه ما ثبت في الصحيح (?) من رواية الزهري عن أبي سلمة وعبيد الله عنها أن زوجها أبا حفص بن المغيرة خَرج مع عليّ إلى اليمن، وأرسل إليها بتطليقةٍ كانت بقيتْ من طلاقِها.