الوجه الثاني: أن الله ذكر حكم الطلاق الذي أذنَ فيه وشرعَه، فإنه لما قال: (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227))، وقال: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، وقال: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) ونحو ذلك، دَلَّ على أنه أَذِنَ في الطلاق وأباحَه في الجملة، وهو سبحانه لم يأذن في كل طلاق ولا أباحَه، بل الطلاق ينقسم إلى مباح ومحظور بالكتاب والسنة والإجماع. وإنما الكلام هنا في جمع الثلاث هل هو من المباح أو المحظور، فإذا قيل: إن الله بيَّن حكم الطلاق الذي أباحَه، ولم تكن الثلاث مباحة، كان القرآن على ظاهره وعمومِه؛ وإذا قيل: هو من المباح، والقرآن يعمُ الطلاقَ المأذونَ فيه والمحظورَ، كان ذلك مخالفًا لظاهر القرآن.

الوجه الثالث: أنه قال (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ)، وهذا صفة الطلاق الرجعي، فدَلَّ ذلك على أن هذا هو الطلاق الموصوف في كتاب الله بقوله (وَالْمُطَلَّقَاتُ)، فالمطلّق ثلاثًا ابتداءً لا رجعةَ له، ومن لم يُوقع إلاّ طلاقًا لا رجعةَ فيه فقد خالفَ كتابَ الله.

الوجه الرابع: أنه قال بعد ذلك (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)، ثم قال: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). وفي الحديث المرسل عن أبي رزين الأسدي الذي رواه الإمام أحمد وغيره (?) أنه قيل: يا رسولَ الله! فأين الطلقةُ الثالثة؟ قال: في قوله (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). وهذا معناه أنه جوّزَ إمساكها بعد الثانية، فعلم أنها تكون زوجة بعد الثانية، لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015