الثاني: أن قوله (فَطَلِّقُوهُنَّ) إذن في مطلق الطلاق، ليس إذنًا في كل طلاق. ومن ظنَّ أن هذا عام فقد غَلِطَ ولم يُفرِّق بين العامّ والمطلق، فإن قول القائل "كُلْ" و"بعْ" ونحو ذلك إذن في مطلق الأكل والبيع، لاْ يتعرض للعموم لا بنفي ولا إثباتٍ. ولهذا لم يكن تقييدُ هذا المطلق رفعًا لمدلول اللفظِ ولا نسخًا له، وإذا لم يكن فيه عمومٌ فهو لم يأذن إلاّ في الطلاق الذي وصفَه، وهو أن يطلّق للعدة وأن يُحصيَ العدة ويتقي الله، وأنه إذا بلغن أجلهن أمسكَ بمعروف أو فارقَ بمعروفٍ. وهذه الصفة إنما هي في الطلاق دونَ الثلاث، كما أنها إنما هي في الطلاق لاستقبال العدّة، فمن طلَّقها حائضا فلم يُطلِّق كما أمره الله تعالى. كذلك من لم يطلق الطلاق الموصوف بأن صاحبه لا يدري لعلَّ الله يُحدِث بعده أمرًا، وبأنه إذا بلغت المرأة أجلَها فإمًّا أن يُمسِك بمعروف أو يُسرِّح بمعروف، فلم يطلِّق الطلاقَ الذي أمر الله به.
الثالث: أنه أمر بإحصاء العدَّة وأن يتقي الله، وأمر إذا بلغن أجلهن أن يُمسِك بمعروف أو يُسرِّح بمعروف، وهذا لا يُحتاج إليه في الثلاث، فإن الثلاث إنما يحتاج إلى إحصاء العدة لتَحِلَّ لغيره، لا لأجل إمساكِه وتسريحه.
الرابع: أنه قال (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)، وهذا حكم المطلقة الرجعية، فإن زوجها أحق بها ما دامت في العدة، فليست كالزوجة من كل وجه، ولا كالبائن من كل وجه، بخلاف الزوجة فإن لها أن تخرج بإذن زوجها، والبائن لزوجها أن يُخرجَها بلا إذنها، فإنها لا تستحق عليه السكنى ولا النفقَة، إلاّ أن يختار هو أن يُحصِنَها، فله إلزامُها بالسكنى لحقه في