غلب على ظنِّه الاستسرارُ به بإخبار ثقةٍ عنه انتهاكُ حرمة يفوتُ استدراكُها كالزنى والقتل، جاز التجسسُ والإقدام على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم، وإنْ كان دُونَ ذلك في الرُّتبة، لم يجز التَّجَسُّسُ عليه، ولا الكشفُ عنه.
والمنكر الذي يجب إنكاره: ما كان مجمَعاً عليه، فأمَّا المختَلَفُ فيه، فمن
أصحابنا من قال: لا يجب إنكارُه على من فعله مجتهداً فيه، أو مقلِّداً لمجتهدٍ تقليداً سائغاً.
واستثنى القاضي في ((الأحكام السلطانية)) ما ضَعُفَ فيه الخلافُ وكان ذريعةً إلى محظورٍ متَّفقٍ عليه، كربا النقد الخلاف فيه ضعيفٌ، وهو ذريعةٌ إلى ربا النَّساء المتَّفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنَّه ذريعةٌ إلى الزِّنى. وذكر عن أبي إسحاق بن شاقلا أنَّه ذكرَ أنَّ المتعة هي الزنى صراحاً.
وعن ابن بطة أنّه قال: لا يفسخ نكاحٌ حكم به قاضٍ إذا كان قد تأوَّل
فيه تأويلاً، إلاَّ أنْ يكون قضى لرجلٍ بعقدِ متعة، أو طلق ثلاثاً في لفظٍ
واحدٍ، وحكم بالمراجعة من غيرِ زوجٍ، فحكمُهُ مردودٌ، وعلى فاعله العقوبةُ والنَّكالُ.
والمنصوصُ عن أحمد: الإنكارُ على اللاّعب بالشطرنج، وتأوَّله القاضي على من لعب بها بغير اجتهادٍ، أو تقليدٍ سائغٍ، وفيه نظرٌ، فإنَّ المنصوصَ عنه أنَّه يُحَدُّ شاربُ النَّبيذِ المختلفِ فيه، وإقامةُ الحدّ أبلغُ مراتبِ الإنكارِ، مع أنَّه لا يفسق بذلك عنده، فدلَّ على أنَّه ينكَرُ كلُّ مختلفٍ فيه ضَعفُ الخلافُ فيه، لدلالة السُّنَّة على تحريمه، ولا يخرجُ فاعلُه المتأوّل مِنَ العدالة بذلك، والله أعلم. وكذلك نصَّ أحمدُ على الإنكار على من لا يتم صلاتَه ولا يُقيم صلبه من الرُّكوعِ والسُّجود (?) ، مع وجود الاختلاف في وجوب ذلك.
واعلم أنَّ الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكرِ تارةً يحمِلُ عليه رجاءُ ثوابه، وتارةً خوفُ العقابِ في تركه،