ووَجَّهَ بعضُ أصحابنا ذلك بأنَّ الإشهادَ على دفع الحقوق الثابتة بالبيِّنةِ واجبٌ، فيكونُ تركُه تفريطاً، فيجب به الضَّمانُ، وكذلك قال طائفةٌ منهم في دفع مال اليتيم إليه: لابدَّ له من بيِّنةٍ؛ لأنَّ الله تعالى أمر بالإشهاد عليه فيكون واجباً.
وقد اختلف الفقهاءُ في هذا الباب على قولين:
أحدهما: أنَّ البيِّنَة على المدَّعِي أبداً. واليمين على المدَّعى عليه أبداً، وهو قولُ أبي حنيفة، ووافقه طائفةٌ مِنَ الفُقهاء والمحدِّثين كالبخاري، وطرَّدوا ذلك في كلِّ دعوى، حتى في القسامة، وقالوا: لا يحلِفُ إلاَّ المدَّعى عليه، ورأَوْا أنْ لا يُقضى بشاهد ويمين؛ لأنَّ اليمينَ لا تكونُ على المدَّعي، ورأوا أنَّ اليمينَ لا تُرد على المدعي؛ لأنَّها لا تكونُ إلاَّ في جانب المُنكِر المدعى عليه. واستدلُّوا في مسألة القسامةِ بما رَوى سعيدُ بن عبيد، حدثنا بُشيرُ بن يسارٍ الأنصاريُّ، عن سهل بن أبي حثمة: أنَّه أخبرَه أنَّ نفراً منهمُ انطلقوا إلى خيبر، فتفرَّقوا فيها، فوجدوا أحدَهم قتيلاً، فذكر الحديثَ، وفيه: فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((تأتوني بالبيِّنةِ على من قتله)) ، قالوا: ما لنا بيِّنةٌ، قال: ((فيحلفون)) ، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُطَلَّ دمُهُ، فوداه مئةً من إبل الصدقة. خرَّجه البخاري (?) ، وخرَّجه مسلم (?) مختصراً ولم يتمَّه،