الزهد في الرِّياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة (?) ، فمن أخرج مِنْ قلبه حبَّ الرياسة في الدُّنيا، والتَّرفُّع فيها على الناس، فهو الزاهد حقاً، وهذا هو الذي يستوي عنده حامدُه وذامُّه في الحقِّ، وكقول وهيب بن الورد: الزهد في الدُّنيا أنْ لا تأسى على ما فات منها، ولا تفرح بما آتاك منها (?) ، قال ابن السماك: هذا هو الزاهد المبرز في زهده.
وهذا يرجع إلى أنَّه يستوي عند العبد إدبارها وإقبالها وزيادتها ونقصُها، وهو مثلُ استواءِ المصيبة وعدمها كما سبق.
وسئل بعضُهم - أظنُّه الإمام أحمد - عمَّن معه مالٌ: هل يكون زاهداً؟ قال: إنْ كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه، أو كما قال.
وسئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يغلب الحرامُ صبرَه، ولم يشغل الحلالُ شكره (?) ، وهذا قريبٌ ممَّا قبله، فإنَّ معناه أنَّ الزاهد في الدُّنيا إذا قدر منها على حرام، صبر عنه، فلم يأخذه، وإذا حصل له منها حلالٌ، لم يشغَلْهُ عَنِ الشُّكر، بل قام بشكرِ الله عليه.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلتُ لسفيان بن عيينة: مَنِ الزَّاهد في الدُّنيا؟ قال: من إذا أنعم عليه شكر (?) ، وإذا ابتُلي صبر. فقلت: يا أبا محمد