وقوله في الأشياء التي سكت عنها: ((رحمة من غير نسيان)) (?) يعني: أنَّه إنَّما سكت عن ذكرها رحمةً بعباده ورفقاً؛ حيث لم يحرِّمْها عليهم حتّى يُعاقبَهم على فعلها، ولم يُوجِبها عليهم حتّى يعاقبَهم على تركها، بل جعلها عفواً، فإنْ فعلوها، فلا حرجَ عليهم، وإنْ تركوها فكذلك، وفي حديث أبي الدرداء (?) : ثم تلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} (?) ومثلُه قوله - عز وجل -: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا
يَنْسَى} (?) .
وقوله: ((فلا تبحثوا عنها)) يحتمِلُ اختصاص هذا النهي بزمن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ كثرةَ البحث والسؤال عمَّا لم يذكر قد يكونُ سبباً لنزول التَّشديد فيه بإيجابٍ أو تحريمٍ، وحديث سعد بن أبي وقَّاص (?) يدلُّ على هذا، فيحتمل أنْ يكون النَّهيُ عامَّاً، والمروى عن سلمان من قوله يدلُّ على ذلك، فإنَّ كثرة البحث والسُّؤال عن حكمٍ ما لم يُذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يُوجِب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه؛ لمشابهته لبعضِ الواجبات أو المحرَّمات، فقَبولُ العافية فيه، وتركُ البحث والسُّؤالِ عنه خيرٌ، وقد يدخلُ ذلك في قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((هلك المتنطعون)) ، قالها ثلاثاً. خرَّجه مسلم (?)