ما يدلُّ على إيجابٍ أو تحريمٍ، قطع بنفي الوجوب أو التحريم، كما يقطع بانتفاء فرضية صلاةٍ سادسةٍ، أو صيام شهر غير شهر رمضان، أو وجوب الزَّكاة في غير الأموال الزَّكويَّة، أو حَجَّةٍ غير حجَّةِ الإسلام، وإنْ كان هذا كلُّه يستدلُّ عليه بنصوصٍ مصرِّحةٍ بذلك، وإنْ ظنَّ انتفاء ما يدلُّ على إيجابٍ أو تحريمٍ، ظنَّ انتفاء الوجوب والتحريم من غير قطع.
والمسلك الثاني: أنْ يذكر مِنْ أدلَّة الشَّرع العامة ما يدلُّ على أنَّ ما لم يوجبه الشَّرع، ولم يحرِّمه، فإنَّه معفوٌّ عنه، كحديث أبي ثعلبة هذا وما في معناه من الأحاديث المذكورة معه، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سُئلَ عنِ الحجِّ أفي كلِّ عام؟ فقال:
((ذروني ما تركتُكم، فإنَّما هلك مَنْ كان قَبلَكم بكثرةِ سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ، فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم)) (?) .
ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد بن أبي وقَّاص: ((إنَّ أعظم المسلمين في
المسلمين جرماً من سأل عن شيءٍ لم يحرَّم، فحرِّم من أجل مسألته)) (?) .
وقد دلَّ القرآنُ على مثلِ هذا أيضاً في مواضعَ، كقوله - عز وجل -: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (?) ، فإنّ هذا يدلُّ على أنّ ما لم يجِد تحريمه، فليس بمحرَّمٍ، وكذلك قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (?) ، فعنفهم على تركِ الأكل ممّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه، معلِّلاً بأنَّه قد بيَّن لهمُ الحرامَ، وهذا ليس منه، فدلَّ على أنَّ الأشياء على الإباحة، وإلاَّ لمَا أَلحَقَ اللَّومَ بمن امتنع من الأكل ممَّا لم ينصَّ له على حِلِّه بمجرَّد كونه لم ينصَّ على تحريمه.