وقد اختلف في إسناده على ابن أبي ذئب، ورواه الحفَّاظ عنه، عن سعيد مرسلاً، والمرسل أصحُّ عند أئمة الحفَّاظ، منهم: ابنُ معين والبخاري (?) وأبو حاتم الرازي (?) وابن خزيمة، وقال: ما رأيتُ أحداً من عُلماء الحديث يُثبت وصلَه.
وإنَّما تُحمل مثل هذه الأحاديث - على تقدير صحَّتها - على معرفة أئمة الحديث الجهابذة النُّقَّاد، الذين كَثُرت ممارستهم لكلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكلام غيره، ولحال رُواةِ الأحاديث، ونَقَلَةِ الأخبار، ومعرفتهم بصدقهم وكذبهم وحفظهم وضبطهم، فإنَّ هؤلاء لهم نقدٌ خاصٌّ في الحديث يختصون بمعرفته، كما يختصُّ الصيرفي الحاذق بمعرفة النُّقود، جيِّدِها ورديئها، وخالصها ومشوبِها، والجوهري الحاذق في معرفة الجوهر بانتقاد الجواهر، وكلٌّ من هؤلاء لا يمكنُ أنْ يُعبِّرَ عن سبب معرفته، ولا يُقيم عليه دليلاً لغيره، وآيةُ ذلك أنَّه يُعرَضُ الحديثُ الواحدُ على جماعة ممن يعلم هذا العلم، فيتَّفقونَ على الجواب فيه مِنْ غير مواطأة.
وقد امتحن هذا منهم غيرَ مرَّةٍ في زمن أبي زُرعة وأبي حاتم، فوُجِدَ الأمرُ على ذلك، فقال السائل: أشهدُ أنَّ هذا العلم إلهامٌ. قال الأعمش: كان إبراهيم النَّخعي صيرفياً في الحديث، كنت أسمعُ مِنَ الرِّجالِ، فأعرض عليه ما سمعته (?) .