وقد ذكر طوائفُ مِن فقهاءِ الشافعيَّة والحنفية المتكلمين في أصول الفقه مسألة الإلهام: هل هو حجَّةٌ أم لا؟ وذكروا فيه اختلافاً بينهم، وذكر طائفةٌ من أصحابنا أنَّ الكشفَ ليس بطريق للأحكام، وأخذه القاضي أبو يعلى من كلام أحمد في ذمِّ المتكلِّمين في الوساوس والخطرات، وخالفهم طائفةٌ من أصحابنا في ذلك، وقد ذكرنا نصَّ أحمد هاهنا بالرُّجوع إلى حوازِّ القلوب، وإنَّما ذمَّ أحمدُ وغيرُه المتكلمين على الوساوس والخطرات من الصوفية حيث كان كلامُهم في ذلك لا يستندُ إلى دليلٍ شرعيٍّ، بل إلى مجرَّد رأي وذوقٍ، كما كان ينكرُ الكلامَ في مسائلِ الحلال والحرام بمجرَّدِ الرَّأي من غير دليلٍ شرعيٍّ.
فأمَّا الرُّجوع إلى الأمور المشتبهة إلى حوازِّ القلوب، فقد دلَّت عليه النُّصوص النبوية، وفتاوى الصحابة، فكيف يُنكره الإمام أحمد بعدَ ذلك؟ لا سيَّما وقد نصَّ على الرُّجوع إليه موافقةً لهم. وقد سبق حديث: ((إنَّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)) (?) ، فالصدق يتميَّزُ من الكذب بسكونِ القلب إليه، ومعرفته، وبنفوره عن الكذب وإنكاره، كما قال الربيعُ بن خثيم: إنَّ للحديث ضوءاً كضوء النَّهار تعرفه، وظلمةً كظُلمة الليل تُنكره (?) .
وخرَّج الإمام أحمد (?)
من حديث ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي