فأمَّا الضعف والعجزُ الذي يوجب التقصيرَ في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده، فليس هو من الحياء، إنَّما هو ضعفٌ وخَوَرٌ، وعجزٌ ومهانة، والله أعلم.
والقول الثاني في معنى قوله: ((إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت)) (?) : أنّه أمر بفعل ما يشاء على ظاهرِ لفظه، وأنَّ المعنى: إذا كان الذي تريدُ فعله مما لا يُستحيى من فعله، لا من الله ولا من الناس، لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنعْ منه حينئذٍ ما شئتَ، وهذا قولُ جماعةٍ من الأئمة، منهم: أبو إسحاق المروزي الشافعي، وحُكي مثله عن الإمام أحمد، ووقع كذلك في بعض نسخ " مسائل أبي داود " المختصرة عنه، ولكن الذي في النسخ المعتمدة التامة كما حكيناه عنه من قبلُ، وكذلك رواه عنه الخلال في كتاب
" الأدب "، ومن هذا قولُ بعض السَّلف - وقد سئل عن المروءة - فقال: أنْ لا تعملَ في السرِّ شيئاً تستحيي منه في العلانية، وسيأتي قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((الإثم ما حاكَ في صدرك، وكرهتَ أنْ يطَّلع عليه الناس)) (?) في موضعه من هذا الكتاب إنْ شاء الله تعالى.
وروى عبد الرازق في " كتابه " (?) ، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من مزينة قال: قيلَ: يا رسولَ الله، ما أفضلُ ما أوتي الرجلُ المسلم؟ قال
: ((الخلق الحسن)) ، قال: فما شرُّ ما أُوتي المسلم؟ قال: ((إذا كرهتَ أنْ يُرى عليكَ شيءٌ في نادي القوم، فلا تفعله إذا خلوتَ)) .
وفي " صحيح ابن حبان " (?) عن أسامةَ بنِ شريك قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: