والثاني: ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ
الإيمان، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان، وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل:
((استحي مِنَ اللهِ كما تستحي رجلاً مِنْ صالحِ عشيرتِكَ)) (?) .
وفي حديث ابن مسعود: ((الاستحياءُ مِنَ الله أنْ تحفَظَ الرَّأسَ وما وعى، والبطن وما حوى، وأنْ تذكر الموتَ والبِلَى، ومن أراد الآخرة تركَ زينةَ الدُّنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيى مِنَ الله)) خرَّجه الإمامُ أحمد والترمذي مرفوعاً (?) .
وقد يتولَّدُ من الله الحياءُ من مطالعة نِعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سُلِبَ العبدُ الحياءَ المكتسب والغريزي لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، والأخلاق الدنيئة، فصار كأنَّه لا إيمانَ له. وقد روي من مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الحياء حياءانِ: طَرَفٌ من الإيمان، والآخر عجز)) ولعله من كلام الحسن، وكذلك قال بُشَير بن كعب العدوي لِعمران بن حصين: إنا نجد في بعض الكتب أنَّ منه سكينةً ووقاراً لله، ومنه ضعف، فغضب عِمران وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه؟ (?)
والأمر كما قاله عِمران - رضي الله عنه -، فإنَّ الحياءَ الممدوح في كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما يُريد به الخُلُقَ الذي يَحُثُّ على فعل الجميل، وتركِ القبيح،