عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} (?) ، فأخبر أنَّه استجاب لهم ذلك، وأنَّه كفَّر عنهم سيئاتهم، وأدخلهم الجنات.

وقوله: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} فخصَّ الله الذنوبَ بالمغفرة، والسيئاتِ بالتَّكفير. فقد يقال: السيئات تخصُّ الصغائرَ، والذنوبُ يرادُ بها الكبائر، فالسيئاتُ تكفر؛ لأنَّ الله جعل لها كفاراتٍ في الدنيا شرعية وقدرية، والذنوب تحتاجُ إلى مغفرة تقي صاحبَها مِنْ شرِّها والمغفرة والتكفير متقاربان، فإنَّ المغفرة قد قيل: إنَّها ستْرُ الذُّنوب، وقيل: وقاية شرِّ الذنب مع ستره، ولهذا يسمَّى (?) ما ستر الرأسَ ووقاه في الحرب مِغْفَراً، ولا يُسمَّى كلُّ ساترٍ للرأس مغفراً، وقد أخبر الله عَنِ الملائكة أنَّهم يدعون للمؤمنين التائبين بالمغفرة ووقايةِ السيئات والتكفير مِنْ هذا الجنس؛ لأنَّ أصل الكفر السترُ والتغطيةُ أيضاً.

وقد فرَّق بعضُ المتأخرين بينهما بأنَّ التكفير محوُ أثر الذَّنب، حتَّى كأنَّه لم يكن، والمغفرة تتضمن - مع ذلك - إفضالَ اللهِ على العبد وإكرامه، وفي هذا نظر.

وقد يُفسر بأنَّ مَغفرةَ الذنوبِ بالأعمَال الصالحة تَقلِبُها حسناتٍ، وتكفيرها بالمكفرات تمحوها فقط، وفيه أيضاً نظر، فإنَّه قد صحَّ أنَّ الذنوبَ المعاقَب عليها

بدخول النار تُبَدَّلُ حسناتٍ فالمكفرة بعمل صالح يكون كفارةً لها أولى.

ويحتمل معنيين آخرين:

أحدهما: أنَّ المغفرة لا تحصلُ إلا مع عدم العقوبة والمؤاخذة؛ لأنَّها وقاية شرّ الذنب بالكلية، والتكفير قد يقع بعد العقوبة، فإنَّ المصائبَ الدنيوية كلَّها مكفراتٌ للخطايا، وهي عقوبات، وكذلك العفوُ يقع مع العقوبة وبدونها، وكذلك

الرَّحمة.

والثاني: أنَّ الكفاراتِ من الأعمال ما جعلها الله لمحو الذنوب المكفرةِ بها، ويكون ذلك هو ثوابَها، ليس لها ثوابٌ غيرُه، والغالبُ عليها أنْ تكون من جنس مخالفة هوى النفوسِ، وتَجَشُّم المشقة فيه، كاجتنابِ الكبائر الذي جعله الله كفارةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015