وفي هذا

متعلَّقٌ لمن يقول: إنَّ التائب بعد التوبة في المشيئة، وكان هذا حال كثير مِنَ

الخائفين مِنَ السَّلف. وقال بعضهم لرجلٍ: هل أذنبت ذنباً؟ قال: نعم، قال: فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك؟ قال: نعم، قال: فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه. ومنه قولُ ابن مسعود: إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع

عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه، فقال به هكذا. خرَّجه البخاري (?) .

وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة.

قال الحسن: أدركتُ أقواماً لو أنفق أحدهم ملءَ الأرض ما أمِنَ لِعظم الذنب في نفسه (?) . وقال ابنُ عون: لا تَثِقْ بكثرة العمل، فإنَّك لا تدري أيُقبل منك أم لا، ولا تأمن ذنوبك، فإنَّك لا تدري كُفِّرَتْ عنك أم لا، إنَّ عملك مُغَيَّبٌ عنك

كله.

والأظهر - والله أعلم - في هذه المسألة - أعني: مسألة تكفير

الكبائر بالأعمال - أنَّه إنْ أُريدَ أنَّ الكبائر تُمحى بمجرَّد الإتيان بالفرائضِ،

وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تُكفَّرُ الصَّغائر باجتناب الكبائر، فهذا باطلٌ.

وإنْ أريدَ أنَّه قد يُوازن يومَ القيامة بين الكبائر وبينَ بعض الأعمال، فتُمحى

الكبيرة بما يُقابلها من العمل، ويَسقُطُ العمل، فلا يبقى له ثوابٌ، فهذا قد

يقع.

وقد تقدَّم عن ابنِ عمرَ أنَّه لمَّا أعتق مملوكَه الذي ضربه، قال: ليس لي فيه مِنَ الأجر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015