وفي " الصحيحين " (?) عن ابنِ مسعود: أنَّ رجلاً أصاب من امرأة قُبلَةً، ثم أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فسكت النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلت هذه الآية، فدعاه فقرأها عليه، فقال رجل: هذا له خاصة؟ قال: ((بل للناس عامة)) .

وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصَّى به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الوصية في قوله - عز وجل -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (?) .

فوصف المتقين بمعاملة الخلق بالإحسّان إليهم بالإنفاق، وكظمِ الغيظ، والعفو عنهم، فجمع بين وصفهم ببذل النَّدى، واحتمال الأذى، وهذا هو غايةُ حسن الخلق الذي وصى به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ، ثم وصفهم بأنَّهم: {إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ولم يُصرُّوا عليها، فدلَّ على أنَّ المتقين قد يَقَعُ منهم أحياناً كبائر وهي الفواحش، وصغائر وهي ظُلمُ النفس، لكنَّهم لا يُصرُّون عليها، بل يذكرون الله عَقِبَ وقوعها، ويستغفرونه ويتوبون إليه منها، والتوبة: هي تركُ الإصرار على الذنبِ (?) .

ومعنى قوله: {ذَكَروا الله} أي: ذكروا عظمته وشِدَّة بطشه وانتقامِه، وما توعد به على المعصية من العقابِ، فيوجب ذلك لهم الرجوعَ في الحال والاستغفارَ وتركَ الإصرار، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015