قال: وقال الحسن وأبو مالك وغيرهما: هي في أهل الشرك خاصة ليس هي في أهل الإسلام. قلت: إنَّما يصحُّ هذا القول على أنْ يكونَ التبديلُ في الآخرة كما سيأتي، وأما إنْ قيل: إنَّه في الدنيا، فالكافرُ إذا أسلم والمسلمُ إذا تاب في ذلك سواء، بل المسلم إذا تاب، فهو أحسنُ حالاً من الكافر إذا أسلم.
قال: وقال آخرون: التبديلُ في الآخرة: جعلت لهم مكان كلِّ سيئةٍ حسنة، منهم: عمرو بن ميمون، ومكحول، وابن المسيب، وعلى بن الحسين قال: وأنكره أبو العالية، ومجاهد، وخالد سبلان (?) ، وفيه مواضع إنكار، ثم ذكر ما حاصلهُ أنَّه يلزمُ من ذلك أنْ يكونَ مَنْ كثرت سيئاته أحسنَ حالاً ممن قلَّت سيئاته (?) حيث يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة، ثم قال: ولو قال قائل: إنَّما ذكر الله أنْ يُبدل السيئات حسنات ولم يذكر العدد كيف تبدل، فيجوز أنَّ معنى تبدل: أنَّ من عمل سيئةً واحدةً وتاب منها تبدل مئةَ ألفِ حسنةٍ، ومنْ عمل ألف سيئة أنْ تبدَّل ألف حسنةٍ، فيكون حينئذ من قلت سيئاتُهُ أحسن حالاً.
قلت: هذا القول - وهو التبديل في الآخرة - قد أنكره أبو العالية، وتلا قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} (?) وردَّه بعضهم بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (?) ، وقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (?) ولكن قد أجيب عن هذا بأنَّ التائبَ يُوقف على سيئاته، ثم تبدَّل حسنات، قال أبو عثمان النَّهدي (?) : إنَّ المؤمن يُؤتى كتابَه في ستر من الله - عز وجل -، فيقرأ سيئاته، فإذا قرأ تغيَّر لها لونُه حتّى يمرَّ بحسّناته، فيقرؤها فيرجع إليه لونه، ثم ينظر فإذا سيئاتُه قد بُدِّلت حسّناتٍ، فعند ذلك يقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} (?)