وعلامةُ الصدق أنَّه تطمئن به القلوبُ، وعلامة الكذب أنَّه تحصل به الريبةُ، فلا تسكن القلوبُ إليه، بل تَنفِرُ منه.
ومن هنا كان العقلاء في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامَه وما يدعو إليه، عرفوا أنَّه صادق، وأنَّه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلامَ مسيلمة، عرفوا أنَّه كاذب، وأنَّه جاء بالباطل، وقد رُوي أنَّ عمرو بن العاص سمعه قبلَ إسلامه يَدَّعي أنَّه أُنْزِلَ عليه: يا وَبْرُ يا وَبْرُ، لَكِ أذنان وصَدْر، وإنَّك لتعلم يا عمرو، فقال: والله إني لأعلم أنَّك تَكْذِبُ.
وقال بعضُ المتقدمين: صوِّرْ ما شئتَ في قلبك، وتفكر فيه، ثم قِسه إلى ضدِّه، فإنَّك إذا ميَّزْتَ بينهما، عرفتَ الحقَّ من الباطل، والصدقَ من الكذب، قال: كأنَّك تَصَوَّرُ محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ثم تتفكر فيما أتى (?) به من القرآن فتقرأ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} (?) ، ثم تَتَصوَّرُ ضِدَّ محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتجده مسيلمة، فتتفكر فيما جاء به فتقرأ:
ألا يَا رَبَّة المَخْدَع ... قَدْ هُيئ لَكِ المَضْجَعْ
يعني قوله لِسجاح حين تزوَّج بها، قال: فترى هذا - يعني: القرآن - رصيناً
عجيباً، يلوطُ بالقلب، ويَحْسُنُ في السمع، وترى ذا - يعني: قول مسيلمة - بارداً غثَّاً فاحشاً، فتعلم أنَّ محمداً حقا أُتِي بوحي، وأنَّ مسيلمة كذَّاب أُتِيَ
بباطل.