وكذا قال فيمن ورث مالاً من أبيه، وكان أبوه يبيعُ ممَّن تكره معاملته: أنَّه يتصدَّق منه بمقدار الرِّبح، ويأخذ الباقي (?) . وقد رُوي عن طائفةٍ من الصَّحابة نحوُ ذلك: منهم: عمرُ بنُ الخطاب، وعبدُ الله بنُ يزيد الأنصاري.
والمشهور عن الشافعي رحمه الله في الأموال الحرام: أنَّها تُحفظ، ولا يُتصَدَّقُ بها حتى يظهر مستحقُّها.
وكان الفضيلُ بنُ عياض يرى: أنَّ من عنده مالٌ حرامٌ لا يعرف أربابه، أنَّه يُتلفه، ويُلقيه في البحر، ولا يتصدَّق به، وقال: لا يتقرَّب إلى الله إلاَّ بالطيب.
والصحيح الصدقةُ به؛ لأنَّ إتلاف المال وإضاعته منهيٌّ عنه، وإرصاده أبداً تعريض له للإتلاف، واستيلاء الظلمة عليه، والصدقة به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقرُّباً منه بالخبيث، وإنَّما هي صدقةٌ عن مالكه، ليكون نفعُه له في الآخرة حيث يتعذَّرُ عليه الانتفاعُ به في الدنيا.
وقوله: ((ثم ذكر الرجل يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!)) (?) .
هذا الكلام أشار فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته،