الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب: أنْ يتصدَّق به عن صاحبه إذا عجز عن ردِّه إليه أو إلى ورثته، فهذا جائزٌ (?) عند أكثر العلماء، منهم: مالكٌ، وأبو حنيفة، وأحمد وغيرهم. قال ابنُ عبد البر: ذهب الزُّهري ومالك والثوري، والأوزاعي، والليث إلى أنَّ الغالَّ إذا تفرَّق أهلُ العسكر ولم يَصِلْ إليهم أنَّه يدفع إلى الإمام خمسه، ويتصدق بالباقي، روي ذلك عن عُبادة بن الصامت ومعاوية، والحسن البصري، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس؛ لأنَّهما كانا يريان أنْ يتصدَّق بالمال الذي لا يعرف صاحبه، قال: وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاحبها، وجعلوه إذا جاء مخيراً بين الأجر والضمان، وكذلك الغصوب. انتهى (?) .
وروي عن مالك بن دينار، قال: سألتُ عطاء بن أبي رباح عمن عنده مالٌ
حرام، ولا يعرف أربابه، ويريدُ الخروج منه؟ قال: يتصدق به ولا أقول: إنَّ ذلك يُجزئ عنه. قال مالك: كان هذا القول من عطاء أحبَّ إليَّ من وزنه ذهباً.
وقال سفيان فيمن اشترى من قوم شيئاً مغصوباً: يردُّه إليهم، فإنْ لم يقدر
عليهم، تصدَّق به كلَّه، ولا يأخذ رأس ماله، وكذا قال فيمن باع شيئاً ممن تكره معاملته لشبهة ماله، قال: يتصدَّقُ بالثمن، وخالفه ابنُ المبارك، وقال: يتصدق بالرِّبح خاصَّةً، وقال أحمد: يتصدَّق بالربح.