والظاهر أنَّ ما ورد مِن تفضيل ترك المحرَّمات على فعل الطاعات، إنَّما أُريد به على نوافل الطّاعات، وإلاّ فجنسُ الأعمال الواجبات أفضلُ مِنْ جنسِ ترك المحرَّمات؛ لأنَّ الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوبُ عدمها، ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمالِ، وكذلك كان جنسُ ترك الأعمال قد يكون كفراً كتركِ التوحيد، وكتركِ أركان الإسلام أو بعضها على ما سبق، بخلاف ارتكاب (?) المنهيات فإنَّه لا يقتضي الكفر بنفسه، ويشهد لذلك قولُ ابنِ عمر: لردُّ دانقٍ من حرام أفضلُ مِنْ مئة ألف تُنْفَقُ في سبيل الله.
وعن بعض السَّلفِ قال: تركُ دانق مما يكره الله أحبُّ إليَّ من خمس مئة
حجة.
وقال ميمون بن مِهران: ذكرُ اللهِ باللسان حسن، وأفضلُ منه أنْ يذكر الله العبدُ عندَ المعصية فيمسِكَ عنها (?) .
وقال ابنُ المبارك: لأنْ أردَّ درهماً من شبهة أحبُّ إلىَّ من أنْ أتصدَّقَ بمئة ألفٍ ومئة ألف، حتّى بلغ ست مئة ألف.
وقال عمر بنُ عبد العزيز: ليست التقوى قيامَ الليل، وصِيام النهار، والتخليطَ فيما بَيْنَ ذلك، ولكن التقوى أداءُ ما افترض الله، وترك ما حرَّم الله، فإنْ كان مع ذلك عملٌ، فهو خير إلى خير، أو كما قال (?) .
وقال أيضاً: وددتُ أني لا أصلي غيرَ الصَّلوات الخمس سوى الوتر، وأنْ أؤدِّي الزكاة، ولا أتصدَّق بعدها بدرهم، وأنْ أصومَ رمضان ولا أصوم بعده يوماً أبداً، وأنْ أحجَّ حجة الإسلام ثم لا أحجَّ بعدها أبداً، ثم أعمد إلى فضل قوتي، فأجعله فيما حرَّم الله عليَّ، فأمسك عنه.