وما أحسن ما قاله يونسُ بنُ سليمان السَّقَطِيُّ: نظرتُ في الأمرِ، فإذا هو الحديث والرأي، فوجدتُ في الحديث ذكرَ الرب - عز وجل - وربوبيتَه وإجلاله وعظمته، وذكرَ العرش وصفة الجنة والنار، وذكرَ النبيين والمرسلين، والحلال والحرام، والحثَّ على صلة الأرحام (?) ، وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي، فإذا فيه المكرُ، والغدرُ، والحيلُ، وقطيعة الأرحام، وجماع الشَّرِّ فيه.
وقال أحمد بن شبويه: من أراد علمَ القبرِ فعليه بالآثار، ومن أراد علم الخُبْزِ، فعليه بالرأي (?) .
ومن سلك طريقة طلب العلم على ما ذكرناه، تمكَّن من فهم جواب
الحوادث الواقعة غالباً؛ لأنَّ أصولها تُوجد في تلك الأصول المشار إليها، ولابدَّ أنْ
يكون سلوكُ هذا الطريق خلف أئمة أهل الدين المجمَعِ على هدايتهم ودرايتهم
كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد ومن سلك مسلكَهم، فإنَّ مَنِ ادعى سلوكَ
هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوزَ ومهالك، وأخذ بما لا يجوز الأخذُ به، وترك ما يجب العملُ به (?) .
ومِلاكُ الأمرِ كلِّه أنْ يقصِدَ بذلك وجه الله، والتقرُّبَ إليه بمعرفة ما أنزل على رسوله، وسلوكِ طَريقه، والعمل بذلك، ودعاء الخلق إليه، ومَنْ كان كذلك، وفَّقه الله وسدَّده، وألهمه رشده، وعلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (?) ، ومن الراسخين في العلم،