ومِنْ حديثي بكُم قالوا: به مَرَضٌ ... فقُلْتُ: لا زالَ عنِّي ذلك المَرَضُ
المحبون يستوحشون من كلِّ شاغلٍ يَشغَلُ عن الذكر، فلا شيءَ أحبَّ إليهم من الخلوة بحبيبهم.
قال عيسى - عليه السلام -: يا معشر الحواريين كلِّموا الله كثيراً، وكلموا الناس قليلاً، قالوا: كيف نكلِّم الله كثيراً؟ قال: اخلوا بمناجاته، اخلوا بدُعائه (?) .
وكان بعضُ السَّلف يُصلِّي كلَّ يوم ألف ركعة حتى أُقعِدَ من رجليه، فكان يُصلي جالساً ألف ركعة، فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة، ويقول: عجبتُ للخليقة كيف أَنِسَتْ بسواك، بل عَجِبْتُ للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر سِواك (?) .
وكان بعضُهم يَصومُ الدَّهرَ، فإذا كان وقتُ الفطور، قال: أحسُّ نفسي تخرُج لاشتغالي عن الذكر بالأكل.
قيل لمحمد بن النضر: أما تستوحِشُ وحدَك؟ قال: كيف أستوحِشُ وهو يقول: أنا جليسُ من ذكرني (?) .
كَتمتُ اسم الحبيب من العبادِ ... ورَدَّدتُ الصَّبابةَ في فُؤادي
فَوَاشَوقاً إلى بَلدٍ خَلِيٍّ ... لعلِّي باسم مَنْ أَهوى أُنادي
فإذا قَوِي حالُ المحبِّ ومعرفته، لم يشغَلْهُ عن الذكر بالقلب واللسان
شاغل، فهو بَينَ الخلق بجسمه، وقلبه معلق بالمحلِّ الأعلى، كما قال عليٌّ - رضي الله عنه - في وصفهم: