لعبده رزقه وكفايته، فيصدق الله فيما ضمنه، ويثق بقلبه، ويحققُ الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرِّزق من غير أنْ يخرج التوكُّل مخرج الأسباب في استجلاب الرزق به، والرزق مقسومٌ لكلِّ أحدٍ من برٍّ وفاجرٍ، ومؤمنٍ وكافرٍ، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} (?) ، هذا مع ضعف كثيرٍ من الدواب وعجزها عن السَّعي في
طلب الرزق، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا
وَإِيَّاكُمْ} (?) .
فما دام العبدُ حيّاً، فرزقُه على الله، وقد يُيسره الله له بكسب وبغير كسب، فمن توكَّل على الله لطلب الرزق، فقد جعل التوكُّل سبباً وكسباً، ومن توكَّل عليه لثقته بضمانه، فقد توكَّل عليه ثقة به وتصديقاً، وما أحسنَ قول مثنَّى الأنباري وهو من أعيان أصحاب الإمام أحمد: لا تكونوا بالمضمون مهتمِّين، فتكونوا للضامن متَّهمين، وبرزقه غير راضين (?) .
واعلم أنَّ ثمرة التوكل الرِّضا بالقضاء، فمن وَكَلَ أموره إلى الله ورضي بما يقضيه له، ويختاره، فقد حقق التوكل عليه (?) ، ولذلك كان الحسنُ والفضيلُ وغيرهما يُفسِّرون التوكل على الله بالرِّضا.
قال ابنُ أبي الدنيا (?) : بلغني عن بعض الحكماء قال: التوكلُ على ثلاثِ درجاتٍ: أولها: تركُ الشِّكاية، والثانية: الرضا، والثالثة: المحبة، فترك الشكاية درجة الصبر، والرضا سكون القلب بما قسم الله له، وهي أرفع من الأولى،