نحن متوكِّلون، فيحجُّون، فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (?) (?) ، وكذا قال مجاهدٌ (?) ، وعكرمة (?) ، والنخعي (?) ، وغيرُ واحد من السَّلف (?) ، فلا يُرخَّصُ في ترك السبب بالكلية إلا لمن انقطع قلبُه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكُلية.

وقد رُوي عن أحمد أنَّه سُئل عن التوكُّل، فقال: قطعُ الاستشراف باليأس من الخلق، فسُئِلَ عن الحُجة في ذلك، فقال: قول إبراهيم - عليه السلام - لما عرض له جبريلُ وهو يُرمى في النار، فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك، فلا (?) .

وظاهر كلام أحمد أنَّ الكسبَ أفضلُ بكلِّ حالٍ، فإنَّه سُئِل عمَّن يقعدُ ولا يكتسِبُ ويقول: توكَّلت على الله، فقال: ينبغي للناس كُلِّهم يتوكَّلون على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب (?) .

وروى الخلال بإسناده عن الفُضيل بن عياض أنَّه قيل له: لو أنَّ رجلاً قعد في

بيته زعم أنَّه يثق بالله، فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنَّه قد وثق

به، لم يمنعه شيءٌ أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غَيرُهم، وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤجِّرُ نفسه وأبو بكر وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله - عز وجل -، وقال الله - عز وجل -: {وَابْتَغُوْا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (?) ، ولابُد من طلب المعيشة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015