ومن رجح التداوي قال: إنَّهُ حال النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يُداوم عليه، وهو لا يفعلُ إلاّ الأفضلَ، وحمل الحديثَ على الرُّقى المكروهة التي يُخشى منها الشركُ
بدليل أنَّه قرنها بالكي والطِّيرة وكلاهما مكروه.
ومنها ما يَخرِقُهُ لِقليلٍ من العامة، كحصول الرِّزق لمن ترك السعي في
طلبه، فمن رزقه الله صدق يقين وتوكل، وعَلِمَ من الله أنَّه يَخرِقُ له العوائد، ولا يُحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه، جاز له تَركُ الأسباب، ولم يُنكر عليه ذلك، وحديث عمر هذا الذي نتكلم عليه يدلُّ على ذلك، ويدلُّ على أنَّ النَّاس إنَّما يُؤتون مِنْ قلَّة تحقيق التوكُّل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يُتعبون أنفسَهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلاّ ما قُدِّر لهم، فلو حَقَّقوا التوكُّلَ على الله بقلوبهم، لساقَ الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ، كما يسوقُ إلى الطَّير أرزاقها بمجرَّدِ الغدوِّ والرواح، وهو نوعٌ من الطَّلب والسَّعي، لكنه سعيٌ يسيرٌ.
وربما حُرِمَ الإنسانُ رزقَهُ أو بعضَه بذنب يُصيبه، كما في حديث ثوبان، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إنَّ العبدَ ليُحرَمُ الرِّزق بالذَّنب يُصيبه)) (?) .
وفي حديث جابر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ نفساً لن تموتَ حتى تستكمل رزقها، فاتَّقوا الله وأجملوا في الطَّلب، خُذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُم)) (?) .