فهذا هو المرادُ بقوله: ((كنت سمعه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يُبصرُ به، ويده التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها)) (?) ، ومن أشار إلى غير هذا، فإنَّما يُشير إلى الإلحاد مِنَ الحلول، أو الاتِّحاد، والله ورسولُه بريئان منه.
ومن هنا كان بعضُ السَّلف كسليمان التيمي يرون أنّه لا يحسن أن يعصي الله. ووصَّتِ امرأةٌ مِنَ السَّلف أولادها، فقالت لهم: تعوَّدُوا حبَّ الله وطاعته، فإنَّ المتَّقين ألِفُوا الطّاعة، فاستوحشت جوارحُهُم من غيرها، فإنْ عرض لهمُ الملعونُ بمعصيةٍ، مرَّت المعصيةُ بهم محتشمةً، فهم لها منكرون.
ومن هذا المعنى قولُ عليٍّ: إنْ كُنَّا لنرى أنَّ شيطان عمر ليهابُه أن يأمُرَه بالخطيئة (?) ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ هذا مِنْ أسرار التوحيد الخاصة، فإنَّ معنى لا إله إلا الله: أنَّه لا يؤلَّه غيرُه حباً، ورجاءً، وخوفاً، وطاعةً، فإذا تحقَّق القلبُ بالتَّوحيد التَّامِّ، لم يبق فيه محبةٌ لغير ما يُحبُّه الله، ولا كراهة لغير ما يكرهه الله، ومن كان كذلك، لم تنبعثْ جوارحُهُ إلاّ بطاعة الله، وإنَّما تنشأ الذُّنوب من محبَّة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يُحبه الله، وذلك ينشأ من تقديم هوى النَّفس على محبَّة الله وخشيته، وذلك يقدحُ في كمال التَّوحيد الواجبِ، فيقعُ العبدُ بسببِ ذلك في التَّفريط في بعض الواجبات، أو ارتكابِ بعضِ المحظوراتِ، فأمَّا من تحقَّق قلبُه بتوحيدِ الله، فلا يبقى له همٌّ إلا في الله وفيما يُرضيه به، وقد ورد في الحديث مرفوعاً: ((من أصبح وَهمُّه غيرُ الله، فليس من الله)) (?) ،