قوله: ((فإذا أحببتُه، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصرُ به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها)) (?) ، وفي بعض الروايات: ((وقلبَه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به)) (?) .
المراد بهذا الكلام: أنَّ منِ اجتهدَ بالتقرُّب إلى الله بالفرائضِ، ثمَّ بالنوافل، قَرَّبه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصيرُ يَعبُدُ الله على الحضورِ والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئُ قلبُه بمعرفة الله تعالى، ومحبَّته، وعظمته، وخوفه، ومهابته، وإجلاله، والأُنس به، والشَّوقِ إليه، حتّى يصيرَ هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة كما قيل:
ساكنٌ في القلب يَعْمُرُه ... لَسْتُ أنساهُ فأَذكُرُه
غَابَ عَنْ سمعي وعن بصري ... فسُوَيدا القلب تُبصِرُه
قال الفضيلُ بن عياض: إن الله يقول: ((كذَب من ادَّعى محبَّتي، ونام عنِّي، أليس كل محبٍّ يُحبّ خلوة حبيبه؟ ها أنا مطَّلعٌ على أحبابي وقد مثَّلوني بين
أعينهم، وخاطبوني على المشاهدة، وكلَّموني بحضورٍ، غداً أُقِرُّ أعينهم في
جناني)) (?) .
ولا يزالُ هذا الذي في قلوب المحبين المقرَّبين يقوى حتّى تمتلئ قلوبُهم به، فلا يبقي في قلوبهم غيرُه، ولا تستطيع جوارحُهُم أنْ تنبعثَ إلا بموافقة ما في قلوبهم، ومن كان حالُه هذا، قيل فيه: ما بقي في قلبه إلا الله، والمراد معرفته ومحبته وذكره، وفي هذا المعنى الأثر الإسرائيلي المشهور: ((يقول الله: ما وسعني سمائي ولا أرضي، ولكن وسعني قلبُ عبدي المؤمن)) (?) .