الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ، وَإِنْ وُجِدَتْ فُرُوضٌ لَا تَسْتَغْرِقُ الْمَالَ، كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوِ الْأُمِّ، أَوْ وَلَدِ الْأُمِّ، أَوْ بَنَاتٍ مُنْفَرِدَاتٍ، أَوْ أَخَوَاتٍ مُنْفَرِدَاتٍ، فَالْبَاقِي كُلُّهُ لِأَوْلَى ذَكَرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً، لَاخْتَصَّ بِهِ رِجَالُهُمْ دُونَ نِسَائِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، فَإِنَّهُ يَشْتَرِكُ فِي الْبَاقِي، أَوْ فِي الْمَالِ كُلِّهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى تَوْرِيثِ الَّذِينَ يَخْتَصُّ ذُكُورَهُمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ، وَهُمْ مَنْ عَدَا الْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَةَ، فَهَذَا حُكْمُ الْعَصَبَاتِ الْمَذْكُورِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا ذَوُو الْفُرُوضِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ مَوَارِيثِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الزَّوْجَانِ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ، فَأَمَّا الزَّوْجَانِ فَيَرِثَانِ بِسَبَبِ عَقْدِ النِّكَاحِ. وَلِمَا كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاضُدِ مَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ، جَعَلَ مِيرَاثَهُمَا كَمِيرَاثِ الْأَقَارِبِ، وَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِنْهُمَا مِثْلَا مَا لِلْأُنْثَى؛ لِامْتِيَازِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى بِمَزِيدِ النَّفْعِ بِالْإِنْفَاقِ وَالنُّصْرَةِ. وَأَمَّا وَلَدُ الْأُمِّ، فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةِ الرَّجُلِ، وَلَا عَشِيرَتِهِ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي الْمَعْنَى مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، فَفَرَضَ اللَّهُ لِوَاحِدِهِمِ السُّدُسَ، وَلِجَمَاعَتِهِمِ الثُّلُثَ صِلَةً، وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِذَكَرِهِمْ زِيَادَةٌ عَلَى إِنَاثِهِمْ فِي الْحَيَاةِ مِنَ الْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ، كَمَا بَيْنَ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ وَالْعَشِيرَةِ الْوَاحِدَةِ، فَسَوَّى بَيْنِهِمْ فِي الصِّلَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعِ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجَانِبِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، بَلْ كَانَ الثُّلُثُ كَثِيرًا فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادُوا عَلَى مَا يُوصَلُ بِهِ وَلَدُ الْأُمِّ، بَلْ يُنْقِصُونَ مِنْهُ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: «فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» عَلَى أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ حَقَّ الْمِيرَاثِ لِمَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْعَصَبَاتِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنَّ مَنْ وِرِثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَرِثَ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015