وَقَالَتْ طَائِفَةٌ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» مَا يَسْتَحِقُّهُ ذَوُو الْفُرُوضِ فِي الْجُمْلَةِ، سَوَاءٌ أَخَذُوهُ بِفَرْضٍ أَوْ بِتَعْصِيبٍ طَرَأَ لَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» الْعَصَبَةُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فَرْضٌ بِحَالٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ» فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا تَأْخُذُهُ الْأُخْتُ مَعَ أَخِيهَا، أَوِ ابْنِ عَمِّهَا إِذَا عَصَبَهَا هُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فِي الْجُمْلَةِ، فَكَذَلِكَ مَا تَأْخُذُهُ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ فِي قَوْلِهِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» ، وَقَوْلُهُ: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ» جُمْلَةُ مِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ كُلِّهِمْ، فَإِنَّ كُلَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ، فَهُوَ فَرْضٌ فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ مُقَدَّرًا أَوْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ، كَمَا قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مِيرَاثِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11] [النِّسَاءِ: 11] ، وَفِيهِمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، وَكَمَا قَالَ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] [النِّسَاءِ: 7] وَهَذَا يَشْمَلُ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْفُرُوضِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «اقْسِمُوا الْفَرَائِضَ بَيْنَ أَهْلِهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ» يَشْمَلُ قِسْمَتَهُ بَيْنَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ قَسَمَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ فَضُلَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيَخْتَصُّ بِالْفَاضِلِ أَقْرَبُ الذُّكُورِ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَصْرِيحٌ بِقِسْمَتِهِ بَيْنَ مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مِنْهُمْ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَمُبَيِّنٌ لِقِسْمَةِ مَا فَضُلَ مِنَ الْمَالِ عَنْ تِلْكَ الْقِسْمَةِ مِمَّا لَمْ يُصَرِّحُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَحْوَالِ أُولَئِكَ الْوَرَثَةِ وَأَقْسَامِهِمْ، وَمُبَيِّنٌ أَيْضًا لِكَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ بَقِيَّةِ